
في سوريا.. التهجير يجري على قدمٍ وساق

خديجة جعفر
09 مايو 2017
التهجير مستمرّ في سوريا على قدم وساق. فبعد السابقة الأولى التي هُجّر فيها أهالي حمص في فبراير 2014، أصبح تكرار التهجير من مناطق الثورة السورية أمرًا أيسر. وفي كلّ مرة يُبرم فيها اتّفاق تهجير، ويُهجّر الأهالي، يمر الأمر بصوت منخفض في الإعلام، فضلاً عن أن تجرّمه أي هيئة دولية أو إقليمية.
ومنذ تهجير أهالي درايا الثائرة في الغوطة الغربية في أغسطس 2016، ارتفعت وتيرة الاتفاقات والتهجير أكثر. فهجّر أهالي المعضمية الواقعة في ريف دمشق في أكتوبر 2016، وهجّر أهالي بلدتي التل وخان الشيح الواقعتين في ريف دمشق كذلك في نوفمبر 2016، ثم جاءت قاصمة ظهر الثورة، حلب، التي هجّر أهلها ومقاتليها في ديسمبر 2016. وبعدها أصبح التهجير أمرًا ممكنًا وسهلاً يرتكبه النّظام السوري، وحليفيه الإيراني والروسي، بدون أدنى رادع. فكان التهجير من وادي بردى في يناير 2017، ثمّ مضايا والزبداني في إبريل 2017، وفي هذه اللحظة، يهجّر أهالي حيّ الوعر الحمصي، وأهالي حي برزة الدمشقي.
قريبًا جدًا ستصفو الغوطة الشرقية وحدها ليتفرّغ التحالف الثلاثي لمحاربة فصائلها الثورية، وقصف أهلها لينهي آخر معاقل الثورة في ريف دمشق.
التحالف الإيراني الروسي الأسدي يحاصرُ جغرافية الثورة السورية، ويلتهم منها مساحات شاسعة كلّ شهر. ومن لم يستطع قتله بالطائرات، أو دفعه للخروج دفعًا، استطاع أن يهجّره بالاتفاقيات بعد أن يطوّقه بالحصار ويعذبه بالتجويع في داره. هذه هي استراتيجية هذا التحالف الثلاثي البغيض لإفراغ سوريا من الثورة تمامًا. استراتيجية لا خلاق لها، لم نتصوّر يومًا أن تحدث على يد نظام مع مواطنيه.
سبق أن فعلت إسرائيل هذا مع الفلسطينيين إبّان الحرب العالمية الثانية، ولكنّ النّظام السوري الذي يدّعي الممانعة والمقامة، هو في الحقيقة يستنسخ التجربة الإسرائيلية. ودون خجل يدّعي أنّ الثورة عليه، هي ثورة على نظام مقاوم لإسرائيل!
الكلّ الآن يتحدّث عن التغيير الديموغرافي السوري، وكأنّه يتحدث عن آخر انتخابات رئاسية حدثت في بلدٍ ما. لم يصبح التهجير اعتياديًّا فقط، بل أصبح تناوله باعتباره أمرًا لا يمكن دفعه. تُعقد المحادثات تلو المحادثات، من جنيف 1 إلى جنيف 3 ومن آستانة 1 إلى آستانة 4، ويستمر الحديث عن مناطق آمنة "يهجّر" إليها السوريون الذين يموتون مرّة ببراميل الموت الأسدية، ومرّة بالقصف الروسي، ومرّة بالقصف الأمريكي. وتبدو أنّ جميع الأحداث تدفع دفعًا للانقضاض على ما تبقّى من حياة في جسد الثورة السورية المثخن بالجراح، والقضاء عليه تمامًا ثمّ التخلّص من آثاره بدفع البقايا إلى مناطق آمنة في الشّمال السوري.
ماذا تبقّى من جغرافية الثورة السورية الآن فيما عدا إدلب؟ تبقّت الغوطة الشرقية، وتبقّى ريف حمص، ومناطق من درعا. لن يكون الإجهاز عليها وتفريغها بأصعب من حلب ومن درايا. هل يكون عام 2017 عام الحرب والتهجير من مناطق الثورة المتبقية؟ وماذا عن إدلب التي يلتقي فيها المهجّرون من كلّ مدينة مهجّرة؟ هل سيتركها التحالف الثلاثي تحدث له الصداع وتعده بالثورة فيما يأتي من أعوام؟ أم هل سيبقى هكذا في حرب لسنين أخرى حتّى يقضي عليها هي الأخرى؟ وكيف سيمكنه هذا؟ هل يمكن للعالم أن يغيّر موقفه تجاه سوريا في لحظة من اللحظات؟ أم أنّ الأمر انتهى وأصبحت قصة سوريا قصة هامشية تدوّن في التاريخ على متن قصة "الحرب على الإرهاب" الكبرى؟